مذكرات مايكل أنا اسمي مايكل..أنا رجل غربي في السبعين من عمري..أود أن أحدثكم بما حصل معي حينما كنت اعمل في إحدى الدول العربية. لا يهم اسم تلك الدولة، لكن المهم ما حصل معي.
كنت اعمل مهندس بترول، و قد انتدبتني شركتي لتدريب بعض المهندسين العرب، كنا نعمل في عمق الصحراء، و قد كنت اشعر بالراحة و أنا انظر إلى الأفق البعيد الذي لا يحتوي سوى الرمال.
و من اجل ذلك كنت أتعمد أن أسير بعد انتهاء دوامي لمسافات طويلة في الصحراء، أراقب الأشياء من حولي، و في يوم رأيت في المدى البعيد مجموعة من خيام العرب البدو، فرحت أراقبهم عن طريق مرقاب الكتروني.. اعرف أنكم ستلومونني على هذا العمل، لأنه من العيب أن نراقب الآخرين، و نتجسس عليهم، لكن الفضول دفعني إلى ذلك، و أنا اعتذر لكل أولئك الذين راقبتهم بهذه الطريقة، لكن.. و قبل أن تلوموني تابعوا معي.
لاحظت منذ المرة الأولى التي استخدمت فيها المرقاب الالكتروني شيئا غريبا.. ففي خيمة كبيرة، كان هناك رجل عجوز، و شاب في الثلاثين من عمره.. كان الرجل العجوز مستلقيا على فراشه بشكل شبه دائم، و كان حينما يفتح فمه و يتحدث بأشياء لا اسمعها، يأتي الشاب راكضا، ثم يجلسه في فراشه، و يحضر له الطعام و يطعمه بيده، و كانت العصبية بادية على العجوز الذي كان دائم الصراخ في الشاب المسكين الذي كان يهز رأسه دائما راضيا و هو ذليل.
شعرت بالغضب الشديد من ذلك العجوز و الطريقة التي يعامل بها ذلك الشاب، و توقعت كما سمعت من زملائي في بلدي قبل أن آتي إلى هذا المكان عن العبيد، أن يكون ذلك الشاب عبدا للعجوز، فتمنيت أن أكون جريئا و اذهب إلى مكان العجوز و أطلق عليه الرصاص، لكنني كنت دائما أتراجع عن هذه الفكرة.
و في احد الأيام التالية حدث شيء اكبر من ذلك، لقد رأيت الشاب يحمل العجوز على كتفه، و يسير به مسافة طويلة نحو خيمة أخرى ظهر أن عرسا أقيم حولها.. ما هذا الذل؟ لماذا لا يقتل الشاب العجوز و ينتهي من العبودية الموضوع فيها؟ أنا اكره هذا الأمر رغم أن أجدادي استعبدوا ملايين البشر من أفريقيا، مع ذلك أنا اكره العبودية.
بعد ذلك تعطل جهاز المرقاب الالكتروني الذي امتلكه، فأرسلت اطلب واحدا جديدا من أصدقائي في بلدي، وفي هذا الوقت دعانا احد المهندسين العرب لتناول طعام الغداء في بيته، فذهبنا إلى هناك، و اكتشفنا انه يسكن مع والديه، و هما عجوزان، و كان المهندس قد اعد الطعام بيديه و قدمه لنا، و أثناء جلوسنا معه، سمعنا والده ينادي عليه من الغرفة المجاورة، فذهب إليه مسرعا، ثم عاد و هو يمسكه بيديه، ثم أجلسه على الكرسي، و قال له الأب: احضر لي حذاء يا ولدي.. الأرض باردة.
فقال زميلنا: حاضر يا أبي.. اعتذر، ما كان يجب أن أضع قدميك على الأرض.
احضر زميلنا الحذاء، ثم وضعه على الأرض، و جلس راكعا على ركبتيه، و ألبسه لأبيه بطريقة جعلتني أتذكر ما رايته عبر المرقاب في الصحراء.. فقلت لسمير بالإنجليزية حتى لا يفهم العجوز ما أقوله: لماذا تفعل ذلك مع أبيك؟ أنت تعمل في شركة محترمة و معك من النقود ما يجعلك تستغني عنه.
ابتسم سمير، و قال بعد أن قبّل جبين والده:
- و ما دخل هذا الموضوع بخدمتي لوالدي!
- هل يمتلك أبوك كثير من المال، و أنت تفعل معه هذا حتى يعطيك مالا أو يوصي لك بماله بعد موته؟
- أبي لا يمتلك شيئا.. أنا الوحيد في هذه الدنيا الذي يمتلكه أبي.
- لكن..
- أنا لا افعل ذلك من اجل مال أو دنيا بل لان الله سبحانه و تعالى قال في القران الكريم في سورة الإسراء:
﴿و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما(23)واخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا(24)﴾
صدق الله العظيم* نتعلم من هذه القصة التربوية الجميلة والمفيدة أن نطيع الوالدين و نرعاهما و لا نغضبهما خاصة الأم لان الجنة تحت أقدام الأمهات فخير دليل على وجوب حسن أخلاقنا و معاملتنا مع الوالدين اللذان افنيا عمرهما في رعايتنا و إنشائنا اولاد صالحين في المجتمع هو تلك الآية الكريمة التي كرمت الوالدين و حفظت حقهما، و شكراااا