قرية نعم .. قرية لا.. بجوار النهر و خلف التلة كانت هناك قريتان صغيرتان يفصل بينهما سور منخفض. في القرية الأولى ترى الجميع في حالة كسل و غضب دائمين، لديهم إجابة واحدة على أي طلب يطلب منهم و هو (لا)، يعتقدون أنها تقاليد قديمة لديهم و عليهم احترامها، فمثلا إذا سالت الأم طفلها أن يغسل يديه قال: لا، و إذا سالت زوجها أن يعطيها مصروف البيت قال: لا، و إذا سألها زوجها أن تحضر الطعام قالت: لا، و هكذا عاش أهل هذه القرية لا تسمع فيها سوى صوت (اللا) يتردد من الصباح إلى المساء.
و في القرية المجاورة ترى الجميع في حالة حركة دائمة لا تنام لهم عين. يبدو الشحوب عليهم جميعا بسبب التعب و الإرهاق، فالإجابة الوحيدة لأهل هذه القرية على أي طلب هي (نعم)، لا يرفضون لبعضهم البعض طلبا حتى و لو كان ذلك على حساب صحتهم و وقتهم و عائلتهم. طبعا النشاط شيء محمود و اللطف و التعاون جميلان، لكن التوازن مطلوب، فحتى الإفراط في العمل و المساعدة قد يؤدي إلى المرض و العجز. و في أحد أيام الربيع صعد طفلان السور، أحدهما برهان من قرية (لا) و الآخر حمدان من قرية (نعم)، سال حمدان برهان: هل ترغب في اللعب معي؟
أجاب برهان: لا
سال حمدان: و لماذا؟
برهان: أنا فعلا ارغب في اللعب معك لكنني لا أستطيع لان علي أن أجيب بلا، هذه تقاليد قريتنا. ثم أضاف: معي بعض الشطائر هل أنت جائع؟
حمدان: نعم.
برهان: تفضل. و ناوله شطيرة كبيرة، أكل حمدان الشطيرة ثم شعر بألم في معدته، سأله برهان: ما بك؟
حمدان: لقد تناولت غذائي منذ قليل و اشعر بالتخمة بعد تناول الشطيرة.
برهان: إذن لماذا أجبت بنعم؟
حمدان: إنها تقاليد قريتنا أن نجيب بنعم على أي طلب!
نظر برهان إلى حمدان و قال: لماذا نقول لا إذا كنا نريد أن نجيب بنعم؟
و قال حمدان: و نحن لماذا نجيب بنعم دائما حتى لو كنا نرغب بقول لا؟
احضر برهان لافتة كبيرة و طلب من حمدان أن يعمله كيف يكتب نعم، كما علم برهان حمدان كيف يكتب لا على لافتة كبيرة، عاد كل منهما إلى قريته، برهان ليعلم أهل قريته كيف يقولون نعم و حمدان ليعلم أهل قريته كيف يقولون لا، و هُدم السور بين القريتين، إنها قرية واحدة الآن اسمها قرية (لا نعم)، ستجد أهلها يجيدون قول نعم في مكانها المناسب و قول لا في مكانها المناسب مع اعتذار لطيف. إنهم يعيشون الآن في سعادة و اعتدال و يتمتعون بالصحة و العافية و النشاط و العلاقة الطيبة فيما بينهم.
* نتعلم من هذه القصة التربوية الجميلة والمفيدة أن اللطف و التعاون و مساعدة الآخرين شيء جميل و لكن عندما نكون قادرين على ذلك؛ فيجب علينا أن نفعل ما نستطيع القيام به و لا نحمل أنفسنا شيء أكبر من طاقتنا فقد قال الله تعالى "و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، و إن لم نقدر على ذلك، فيجب علينا أن نقول: لا نقدر، و لكن بأسلوب لطيف. فالتوازن بين الأمور شيء مهم، فنحن نحتاج إلى قول نعم و قول لا، و لكن يجب أن نوازن بينهما باعتدال لتنشأ حياتنا نشأة صحية و نشيطة و مثمرة و ناجحة، و تكون علاقاتنا طيبة فيما بيننا، و شكراااا.