الأمنيات الثلاث منذ زمن طويل مضى عاش مزارع عجوز وزوجته بمزرعتها بالقرب من مدينة ( مالو ) بالسويد، ولم تكن هذه المزرعة تزيد عن قطعة أرض صخرية صغيرة قريبة من النهر، تحيط بها سلسلة من التلال تكثر فيها أشجار الصنوبر والشجيرات الكثيفة. وكان المزارع وزوجته راضيين وقانعين بما وهبهما الله، يشعران بالسعادة لتمتعهما بالصحة الجيدة.
وفي وقت متأخر من إحدى ليالي الشتاء، سمعا طرقا على باب كوخهما الخشبي. فتح المزارع الباب على مصراعيه، فوجد أمامه ثلاثة رجال يرتدون ملابس فاخرة فضفاضة ويضعون على رؤوسهم قبعات عالية أنيقة.
قالوا له:
إننا في طريقنا إلى قصر الملك، ولكن لازال الطريق طويلا أمامنا. هل تسمح لنا بقضاء هذه الليلة عندكم؟
قال المزارع: تفضلوا تفضلوا.
لم يدخر هو وزوجته جهدا في توفير الراحة لضيوفهما، وتناول الزائرون عشاء خفيفا ساخنا عبارة عن وجبة بسيطة، لكنها أفضل ما تستطيع المرأة تقديمه لهم. وضع المزارع قطعا من الخشب في المدفئة الحجرية، حتى تتأجج نارها، وهكذا سرى الدفء والسرور في أرجاء الكوخ البسيط.
بعد انتهاء الضيوف الثلاثة من تناول طعامهم، أحضرت الزوجة ملاءات للأسرة وألحفة وثيرة صنعتها بنفسها في العام الماضي. وبعد أن تأكد الزوجان من أن ضيوفهما ينعمان بالراحة، تمنيا لهم نوما هادئا، وذهبا إلى حجرتهما الباردة حيث قضيا ليلتهما. و في الصباح كان الزائرون قد اختفوا تماما!
كان ذلك يوم الاثنين، فثبت المزارع و زوجته حصانهما الصغير ذا الفراء الكثيف، في الثلاجة، و انطلقا فوق جليد النهر المتجمد إلى سوق المدينة لشراء احتياجاتهما الأسبوعية. عندما عادا اخبرا جيرانهما عن الضيوف الذين زاروهما الليلة الماضية. لكن بضعة أيام، نسي المزارع و زوجته كل شيء عن تلك الزيارة.
انقضى الشتاء و اقبل الربيع، و حدثت في المزرعة الصغيرة العديد من الأمور العجيبة فعندما ذاب الجليد تحت أشعة الشمس، بدا و كأن الصخور في المزرعة قد ذابت أيضا، و سرعان ما امتد حقل طويل واسع عبر ضفتي النهر القريب. بدأ المزارع المندهش، في حرث الحقل و نثر بذور المحاصيل، و كان غريبا انه بمجرد وضع البذور في تربة الأرض الخصبة، كانت الأفرع الصغيرة للنبات تنبت لفورها! بعد الربيع اقبل الصيف، و توافد الناس من جميع أنحاء ريف السويد، لمشاهدة هذا الحقل العجيب الذي تنمو فيه سنابل القمح أطول من قامة الإنسان.
و في نفس الوقت وضعت بقرة المزارع عجلتين صغيرتين جميلتين لونهما بني فاتح. على الرغم من أن البقرة الأم لم تكن حلوبا، إلا أنها كانت تملأ للمزارع و زوجته كل ليلة و كل صباح وعاء كبيرا من الحليب، بل و استمرت تفعل ذلك طوال أيام الشتاء التالي. كما أن دجاجاتهما القليلة، أصبح لكل منهما ما يزيد عن اثني عشر كتكوتا. حتى أن المزارع الطيب اضطر لبناء قفص جديد كبير الحجم من الخيزران، لإيواء هذا القطيع الضخم من الدجاج. و كان المزارع و زوجته يتساءلان دائما: ما الذي حدث؟!
و ذات يوم بينما كان المزارع في الغابة يجمع الحطب للشتاء القادم، وجد ان الشجيرات التي توجد أسفل التلال قد اختفى بعضها، و ظهرت مكانها وديان واسعة من المروج و الأعشاب الخضراء. و بدلا من البقرة الوحيدة التي ظلت عندهما لسنوات، بدأ المزارع و زوجته يفكران في إمكانية تربية قطيع من الأبقار، ثم فيما بعد إنشاء لمشروع لإنتاج الحليب و الجبن و الزبد.
لم يصدق المزارع و زوجته كل هذا الحظ السعيد الغريب، فبعد سنوات عجاف طويلة أصبحا في بحبوحة من العيش. و لكن لم يشعر كل الناس بالسعادة بسبب النجاح الذي لازم المزارع الطيب و زوجته. فعلى الجانب الأخر من النهر، كان احد جيرانهما يراقب تطور حال المزارع و زوجته بشك و حسد و حقد.
كان هذا الجار يمتلك مزرعة كبيرة بحالة جيدة، و كذلك منزلا كبيرا و مخازن حبوب ضخمة، كانت تمتلئ إلى آخرها وقت الحصاد. إما ماشيته العديدة فقد انتشرت في أرجاء الريف السويدي لمسافة كيلومترات من كل جانب. على الرغم من كل ثروة هذا الجار، فقد كان يكره الخير الذي فاض بأعجوبة على المزارع و زوجته.
اخذ يتساءل: ترى كيف حدث له ذلك كله؟! ثم أدرك أن هذا كله لابد أن يكون قد تم بمعرفة الزائرين الثلاثة الأثرياء، الذين قال له المزارع أنهم زاروه في الشتاء الماضي. لابد أنهم تركوا له كيسا ممتلئا بالذهب، لقاء ضيافته الكريمة لهم.
و بينما كان هذا الجار الثري يغلي من الغضب و الحنق، مضى فصل الصيف و لف فصل الشتاء الجديد الريف السويدي بعباءته البيضاء.
و ذات يوم، و في وقت متأخر من الليل، تعالت الطرقات على باب المنزل الكبير للجار الثري، لم يكن القادمون سوى الزائرين الثلاثة ذوي الملابس الفاخرة الفضفاضة و القبعات العالية الأنيقة.
سألوا الجار الثري:
هل يمكننا المبيت لديكم الليلة؟ إننا في طريقنا إلى قصر الملك، لكن الطريق لازال طويلا أمامنا، شعر الجار بالسعادة البالغة، و أدخلهم إلى الردهة و احضر لهم أفضل المقاعد الوثيرة، ثم أسرع بإيقاظ زوجته التي هرعت لإعداد وجبة رائعة عبارة عن إوزة محشوة بالأرز، احتاجت إلى عدة ساعات لطهيها، و أطباق كبيرة من الخضراوات بالزبد ثم أنواع كثيرة من الفاكهة. و بذلت الزوجة جهدا كبيرا في ذلك.
و بعد تناول الطعام، اصطحب الجار الزائرين الثلاثة إلى حجرة نومهم، و عندما استراح الجار و زوجته في آخر اليوم، لم يخلدا للنوم و إنما أخذا يفكران في المكافأة الضخمة التي تنتظرهما.
جاءت أول علامات النشاط، بعد الفجر بقليل، حيث استيقظ الجار و استعد لتحية ضيوفه المحترمين، الذين قالوا له: لقد استرحنا جيدا، لكن ليس لدينا أي وقت لتناول الإفطار، فيجب أن نواصل رحلتنا فلا يزال الطريق أمامنا طويلا.
واصلوا حديثهم قائلين: كنتما طيبين جدا معنا، و تعبيرا عن امتناننا لكما، فإننا سوف نلبي أول ثلاثة أمنيات لكم. و دون أن يودعهم، انطلق الجار فورا إلى زوجته ليبلغها بهذا الخبر الرائع. تساءل و زوجته عما يمكن أن تكون تلك الأمنيات، و ما الذي لم يحققانه بالفعل و يتمنيان تحقيقه.
و اكتشف الجار و زوجته أن ذلك مشكلة كبيرة! و لم يتفقا بشأنها طوال اليوم. لم يقر الجار ما إذا كان يريد المزيد من الأرض أو عددا اكبر من الماشية أو كلاهما معا. إما الزوجة فكانت مشتتة بين رغبتها في الحصول على قلادة من الماس أو اقتناء معطف من فراء المنك.
زمجر الجار قائلا:
معطف آخر من الفراء! يا ليتك ولدت و عليك فراء! حتى تتوقفين عن كل هذا الحديث عن معاطف الفراء، إلى الأبد! بمجرد أن انتهى من هذه الكلمات، حتى حدث أمر عجيب! فقد فوجئ لدهشته البالغة، بتحول زوجته إلى دب ضخم بفراء ابيض. و بعد أن أدركت الزوجة ما أصبحت عليه، صاحت:
انظر ماذا فعلت بي! فكم أتمنى ألا يكون لك لسان في فمك!
و حدث ذلك بالفعل، و أصبح الجار أبكم لا يتكلم. و لم يعد حتى قادرا على أن يتمنى أي شيء. و بقيت الآن الأمنية الثالثة، و عاد للجار لسانه و ارتدت الزوجة إلى طبيعتها البشرية. و أصبحا لأول مرة راضيين قانعين بحياتهما.
* نتعلم من هذه القصة التربوية الجميلة والمفيدة أن نرضى بما قسمه الله تعالى لنا ونتحلى بالقناعة فالقناعة كنز لا يفنى يريح المرء من أمراض الحقد والحسد والضغينة نحو الآخرين فذلك يجعلنا نقضي وقتنا في حمد الله على نعمه التي أنعم بها علينا بدل أن نقضيه في النظر على ما يمتلكه الآخرين وملئ صدورنا بالحقد والحسد والكره نحوهم، وشكراااا