شوارب النمر السحرية

عاش ناسك عجوز في مغارة بأحد جبال الهند وكان يقصده كثير من الناس طلبا لنصيحته ومشورته . فقد اشتهر بأنه ينبوع للحكمة وضليع في فنون السحر!

وذات يوم جاءه صبي في الخامسة عشرة من عمره وقال له : أيها الحكيم إنني وشقيقي الأصغر مختلفان في كل شيء، وقد أصبحنا نتشاجر لأتفه الأسباب! ولهذا أرجوك أن تساعدني في أن يعود الوفاق بيننا فأنا أحبه كثيرا .

قال الناسك:

يا بني أحيانا ينشأ الخلاف بين الأشقاء والأصدقاء لأسباب تافهة لو تم تداركها لعاش الجميع في وئام .

رد الصبي في توسل: سيدي الناسك إنهم يقولون أن بوسعك عمل شراب سحري يؤدي إلى الوفاق بين المتخاصمين، والصلح بين المتشاجرين! صمت الناسك لبرهة ثم قال:

نعم أستطيع تحضير هذا الشراب السحري! ولكن هناك مشكلة بسيطة إذ إنني أفتقر إلى أحد المكونات الأساسية التي لابد من وجودها في خلطة هذا الشراب وليس بإمكاني إحضاره بنفسي .

سأله الصبي بلهفة:

وما هو هذا المكون يا سيدي؟ ربما أستطيع الحصول عليه!

نظر إليه الناسك ورد قائلا:

إنني أشك في ذلك كثيرا يا بني! فهذا المكون هو شارب نمر!

ردد الصبي الكلمتين في ذهول: شارب نمر! وانصرف حائرا بعد أن وعد الناسك بإحضار ما يريده..

وفي اليوم التالي مباشرة ذهب يبحث عن نمر وأخيرا شاهد واحدا يجثم على ضفة أحد الأنهار زمجر النمر وكشر عن أنيابه عندما رأى الصبي الذي تراجع وهو في شدة الخوف لكنه لم يلبث أن تحرك إلى الأمام وأخذ يقترب من النمر ببطء وهدوء حتى أن الحيوان المفترس نفسه لم يشعر بأي إزعاج لوجود الصبي بالقرب منه فتوقف عن الزمجرة ونظر إليه بعينين مطمئنتين ثم أخذ يشرب من النهر.

كان الصبي فطينا لذلك بادر بتقديم بعض الطعام الذي أحضره معه إلى النمر الذي ما لبث أن ارتاح له، وأبدى ودا نحوه وبدأ يقترب منه كي يتناول الطعام الذي أحضره له الصبي.

استمر الصبي على هذا الحال لبضعة أيام ثم ذات يوم مد يده بهدوء وربت على رأس النمر بعطف وبعد عدة أيام أخرى بدأ الصبي يحرك يده على صدغ النمر ووجهه برقة بالغة.

وبعد نحو أسبوع تجرأ الصبي وجذب بمهارة وخفة أحد شوارب النمر الذي كان منهمكا في التهام الطعام الذي أحضره له كعادته!

وفي الحال هرع الصبي إلى مغارة الناسك وهو ممسك بحرص بشارب النمر في يده وصاح بفرح وهو يفتح يده ويمدها:

سيدي الناسك! هاهو شارب النمر! لقد أحضرته لك هلا جهزت لي الشراب السحري الذي اتفقنا عليه والذي سيعيد الوفاق بيني وبين شقيقي الصغير!

قال الناسك ببطء: حسنا! لا بأس! انتظر لحظة!

ثم أخذ شارب النمر من يد الصبي المفتوحة وتوجه إلى كومة من الأخشاب المشتعلة التي كانت تمنحه الدفء في هذا البرد القارس وألقى فيها بالشارب في هدوء شديد وبيد ثابتة لا ترتجف.

صرخ الصبي في ذهول: ما الذي فعلته يا سيدي؟ إنك لا تدري كم بذلت من مشقة للحصول على هذا الشارب!

رد الناسك وهو يحدق في عيني الصبي بحدة بينما كان يمشط بيديه لحيته البيضاء الطويلة:

إن شوارب النمر ليس بها أي سحر! إنك لا تحتاج لها! صدقني! ولكن أخبرني أولا كيف أمكنك اكتساب حب وتعلق النمر بك؟ لا شك أن ذلك حدث بسبب رقتك معه وملاطفتك له وصبرك عليه!

تمهل الناسك لبرهة ثم أضاف قائلا:

ترى هل يكون الإنسان أقل إحساسا واستجابة من حيوان شرس مفترس متعطش للدماء؟! أرجو أن تكون الأمور قد اتضحت لك جيدا! والآن اذهب يا بني إلى بيتك وافعل مع شقيقك الأصغر مثلما فعلت مع النمر بالضبط! الرقة والملاطفة والصبر.

أخذ الصبي يردد في ذهنه كلمات الناسك الحكيم وهو يسير ببطء في طريق عودته إلى منزله في القرية القريبة وعندما رأى شقيقه الأصغر يلعب أمام باب المنزل دفعته غريزته إلى الابتعاد عنه والدخول من الباب الخلفي لكنه سرعان ما تذكر شوارب النمر وكلمات الناسك الحكيم ولم يلبث أن سيطر على نفسه وتحرك إلى الأمام في اتجاه شقيقه الأصغر وعلى وجهه ابتسامه رقيقة.

* نتعلم من هذه القصة التربوية الجميلة والمفيدة أن نكون صبورين رقيقين لطفاء مع عائلاتنا وأسرنا الحبيبة وأن نحسن المعاملة معهم لكي نكون محبوبين بينهم خاصة نحو والدينا الذي أوصى الله بهما وبحسن معاملتهما لكي نحصل على رضاهم و رضى الله تعالى وندخل الجنة لأن الجنة تحت أقدام الأمهات وشكراااا.