منتديات الشنتوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الجميع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المسرح الجيّد هو المسرح الذى يغذى الذاكرة الجماعية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
كورابيكا
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
كورابيكا


عدد الرسائل : 26
العمر : 31
تاريخ التسجيل : 12/03/2008

المسرح الجيّد هو المسرح الذى يغذى الذاكرة الجماعية Empty
مُساهمةموضوع: المسرح الجيّد هو المسرح الذى يغذى الذاكرة الجماعية   المسرح الجيّد هو المسرح الذى يغذى الذاكرة الجماعية I_icon_minitimeالجمعة مارس 14, 2008 1:27 pm

المسرح الجيّد هو المسرح الذى يغذى الذاكرة الجماعية ويستنهض الهمم




تونس ـ العرب أونلاين ـ عبد المجيد دقنيش: آدم وحواء.. غيلان وميمونة.. نور الدين الورغى وناجية الورغي.. ثنائيات متعددة لحلم واحد.. حلم الانسان بتحقيق الذات وملامسة الخلود فى هذا الفضاء المتناهى أو هو حلم المبدع فى نشر ثقافة السلام والإخاء والتضامن.

وهذا ما آمن به المخرج المسرحى نور الدين الورغى فأسّس صحبة رفيقة دربه ناجية الورغى "مسرح الأرض". وكأنى بهما أرادا أن يخلقا أرضا جديدة بكرا لا تشوبها الحروب والتقتيل والتعذيب، ولا تسكنها الوحوش البشرية، وأرادا أن يغرسا فيها الازهار والأشجار التى لا تعشش فيها الغربان والنسور، وأرادا أن يخلقا مسرحا شعريا فى زمن يكره الشعر والشعراء، إنه التحدي- ولا ريب- الذى جعلهما يهتمان بقضايا الانسان العربى ويصممان على عدم الصمت وبقيا وفيين لهذا التمشى طيلة مسيرتهما الممتدة لأكثر من ثلاثين سنة.

فى هذا الحوار لـ "العرب أونلاين" تحدث نور الدين الورغى كمخرج مسرحى وكشاعر وكمواطن عربى وكمثقف له همومه وحلمه الذى يعيش من أجله، فجاء الكلام صريحا وجاءت الأفكار طريفة ومحرجة وصادمة ولكنها صادقة.

*هل لهذا الاشتغال على القضايا العربية والانسانية فى مسرح الأرض، علاقة بالمدارس والتجارب المسرحية التى تأثر بها نور الدين الورغى فى بدايته ونشأته، أم أنه نابع من قناعات ذاتية خالصة؟

- بطبيعة الحال نابعة من قناعات شخصية وذاتية وإيمان راسخ بالدفاع عن كل القضايا العادلة وكل مسرحى ينتمى إلى هذا الوطن وإلى هذه الأرض لابد أن تكون له أذان صاغية لما يدور حوله هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وفيما يتعلق بتأثير التجارب المسرحية الأخرى، يعدّ هذا التأثير أمرا طبيعيا خاصة أن المسرح الاغريقى ومنذ بداياته اهتم بواقع الانسان وحروبه منذ سوفكليس وإيشيل وهيروكليس. حتى المسرحيات الكوميدية فى تلك الفترة كانت تتحدث عن الحروب وعن المآسى وعن القتل والجبروت والظلم فى كل تفاصيلها وهذا نلمسه أيضا حتى فى المدارس الكلاسيكية الفرنسية التى جاءت فيما بعد وتطرقت إلى قضايا الانسان. ولذلك فنحن بعد أن أسسنا "مسرح الأرض" منذ أكثر من 35 سنة انطلقنا من الفضاء الثقافى الريفى للحديث عن قضايا الانسان سواء فى الوطن العربى أو فى فضاءات إنسانية أخرى. وذلك بالانطلاق من المحلى الضيّق لمعانقة الانسان أينما وجد.

* قلت فى أحد حواراتك: "أنا أدق نفس المسمار فى نفس المكان وما أقوم به هو عملية حفر عميقة فى ذاكرة أثخنتها الثقوب" ألم يصدأ هذا المسمار؟ وألم تتعب من "الدقّان" فى نفس المكان، بمعنى ألا تخشى من أن تكرر نفسك وأنت تتطرق إلى نفس الموضوع منذ أكثر من ثلاثين سنة؟

- الجواب موجود فى ما قتله. ففى البداية يحاول كل مبدع دائما وأبدا أن يجد لنفسه طريقا أو منهجا أو مبادئ حتى لا أقول مدرسة يكوّنها ويبنيها حجرا بحجر بطبيعة الحال محاولة الحفر فى نفس المكان فى كل مسرحية هى محاولة فى نفس الوقت لتجاوز المسرحية السابقة وعملية دق المسمار فى نفس المكان هى عملية مقصودة حتى نستطيع أن نصل إلى أبعد ما يمكن سواء فى الطروحات أو فى الكتابة أو فى الرؤى أو فى ايقاعات الاخراج وهذا من الأشياء الضرورية حتى نستطيع أن نصنع لأنفسنا بصمة. وهذا مهم جدا لأن القفز من مدرسة إلى مدرسة ومن نوعية إلى نوعية يدل على تذبذب كبير وبطبيعة الحال كلما تقدم الانسان فى العمر إلا وحاول إصلاح ذاته ونقدها حتى تتطور تجربته أكثر من خلال الوقوف أمام مرآة الذات واصلاح النفس من دون أن يخشى النقائص حتى تتعمق البصمة أكثر. ببساطة هذا المسمار لا يصدأ وعندما يصيبه نوع من الصدأ فسيتكسر وبالتالى من يدقه سينكسر هو أيضا.

* معنى هذا أن معاناة الانسان هى نفسها مهما اختلفت العصور؟

- صحيح معاناة الانسان هى نفسها وربما تزداد إحراجا كل يوم، حيث نفتح أعيننا ونغلقها على المآسى والحروب والتفجيرات، أنظر ما يقع فى غزة اليوم والعراق ولبنان كل هذا حسب رأيى يتطلب مئات المسرحيات وعمر مؤلف أو مخرج لا يكفى لكى يكتب أو يخرج واحد من ملايين الأحداث والحروب التى يمكن أن تكون أعمالا. المسرح ينبنى على صدام وعلى صراعات وعندما تنتفى هذه الصراعات فإن المسرح ينتفي. الإنسان أيضا دائما فى صراع مع الطبيعة ومع الآخر وأيضا مع نفسه، وكما قلت فإن كل المدارس المسرحية أو أغلبها منذ الاغريق وحتى عصرنا الحاضر اشتغلت على معاناة الانسان وأذكر على سبيل المثال الكاتب والمخرج المسرحى الكبير إدوارد بوند الذى استشهدت به فى تقديمى لهذه المسرحية، وقد كتبت ما يسمى بمسرحيات الحرب وعالجت فيها هموم الانسان وهزاته وشكوكه.

* وهل تندرج مسرحيتك الجديدة "جاى من غادي" فى هذا الاطار؟ ولماذا "جاى من غادي" وليس من هنا؟ فهل الاشارة إلى المكان هى إشارة إلى الموضوع؟

- "جاى من غادي" لأن الآتى من هناك فيه نوع من الغرابة والمجهول ويستدعى محاولة استقصاء لأن هناك نوع من الخوف. عندما نقول إنسان "جاى من غادي" فإنه يحمل فى طياته الكثير من الأخبار والكثير من الاستفهامات والآلام والمآسي. هذا الشخص الآتى من هناك هو شاعر كما لاحظت فى المسرحية، جاء محملا بكثير من الجراح والآلام والهموم وأراد أن يقص ما شاهد بتهكم وسخرية وبايقاع الشاعر ومرارة الأحاسيس التى عاشها وعندما يعرف هذا الشاعر أنه أغرق فى الآلام يحاول أن يتفكه ويخرج بالمتفرج إلى فضاءات أخرى فيها نوع من الابتسامة ولكنها ابتسامة تشوبها مرارة هى أيضا.

* هل يمكن اعتبار هذه المسرحية صرخة فنية فى زمن الصمت العربى "ناديت قالو أشبيه باكم/ سكتت قالوا عياطو طرشنا؟

- أنت تلاحظ أن المسرحية كلها تحاول أن تطرح سؤالا مهما وهو لماذا هذا الصمت المطبق أمام ما يحدث من تقتيل وتهجير وتعذيب؟ لماذا هذا الصمت الرهيب وكل هذا الانبطاح؟ إننا نعيش وضعية مأساوية وسريالية فى العالم العربى تكاد تكون الوضعية نفسها التى عاشتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، أمر غريب ومحيّر ما يقع ولا كلمة ولا موقف ونادرا ما نرى بعض المفكرين والمبدعين الذين يتكلمون ويكتبون لذلك وكما قلت هذه المسرحية مثل بقية مسرحياتى هى صرخة حقيقية ومحاولة لاستنهاض الهمم والضمائر النائمة.

* هذا الحديث عن الصمت يجرنا إلى السؤال التالي: لماذا فى السنوات الأخيرة كلما ازداد الواقع العربى تعقيدا ازداد صوت المثقفين خفوتا؟ ألا ترى فى ذلك نوعا من الاستقالة غير المعلنة؟

- هذا صحيح، العديد من المفكرين والمثقفين فى الغرب يناصرون قضايانا العربية ويتخذون مواقف لا يتجرأ مثقف عربى على أخذها. وهناك الكثير من الأعمال المسرحية الغربية فى ألمانيا وايطاليا وفرنسا واليابان وهذه الأعمال تتحدث عن الوضع فى العراق وفلسطين ولبنان بينما فى الوطن العربى لا تجد إلا قلة قليلة من المسرحيين والسينمائيين والكتاب العرب الذين يتحدثون فى أعمالهم عن الراهن العربي.

* وما هى أهم هذه الأسباب حسب رأيك؟

- الأسباب كثيرة، منها الأسباب الذاتية ومنها الأسباب الاجتماعية والبهتة أيضا قد تلجم الإنسان، وتستطيع أن تقول أن هناك خيبة أمل فى كثير من النظريات التى حركت العالم منذ أكثر من 50 سنة وبات بالكاشف أن هذه النظريات فيها نوع من الضعف والسلبيات الكثيرة. ولعلّ المثقف العربى صار خائفا على منصبه وحياة الرفاهية التى اعتاد عليها. وهذا الأمر ينطبق على المثقف داخل الوطن العربى وخارجه والوحيد الذى كان يتخد مواقف هو المفكر إدوارد سعيد الذى كان يقوم بتحركات وكتابات تفاجئ الغرب وتحرجه لأننا الآن نستطيع أن نتحدث عن فكر غربى متحجر ومتخلف وظلامي. هذا يعنى أنه فى الوقت الحاضر لابد من فتح جميع فضاءات الحوار والتعبير والنقاش حتى نحاول استعادة هذه الصحوة.

* غياب الديكور وبساطته فى هذه المسرحية هل يعدّ نوعا من التركيز على فعل الانسان وملحمته الوجودية فى البحث عن الذات؟

- المسرحية ليس فيها إلا متهم ركحى واحد وهو عبارة عن خيمة يجرها هذا الكائن الآتى من هناك، يجرها ويجر معها مخلفاته وآلامه وطموحاته وأحلامه وفى الآن نفسه تصبح حدودا وجبالا وأودية وسهولا ولها رموز أخرى. وهى مكسوة بنوع من السواد القاتم والبقع الحمراء والدماء الجافة. فهذه الخيمة هى تاريخ الكائن البشرى بأخطائه ونجاحاته وتحضر الاضاءة هنا لتكشف أبعادا أخرى.

إن مسرح الأرض مبنى بالأساس على الكلمة والفعل الشعرى المتعدد الصور والأبعاد والممثل هو الذى يجسد بصوته وجسده وحركته الفعل المسرحى فى هذا الفضاء الغارق الذى تتحرك فيه الشخصية وتدور فى صلبه أحداث المسرحية.

* انفتاح المسرحية بأغنية وانغلاقها بها هل فى ذلك تلميح إلى عودة الفن الجاد؟
- ميزة هذه النغمات والأهازيج والايقاعات أنها تنبع من أعماق الأرض لذلك فهى تتميز بالاصالة لأن الارض لا تكذب.

* ولكن لماذا هذا النفس الحزين وهذه الغنائية المؤثرة التى تمتد على كامل المسرحية؟ هل هى أغنية الانسان الحزينة فى هذا الكون الذى لا ينبئ إلا بالمآسي؟

- المسرحية ككل مسرحيات مسرح الأرض- هى ملحمة وهى قصيدة طويلة فيها الايقاعات والخطابة، وفى هذا الزمن المأساوى لا نملك إلا أن نعبر عما يختلج فى داخلنا من أحاسيس ومن نكسات ومن هزائم ومن خيبات لكن ما تلاحظه فى هذه المسرحية هو أننا لم نستعمل الأهازيج العربية الحزينة فقط ولكن استعملنا أغنيتين من أمريكا وسمعنا الصوت الذى ينادى على "دجو" وهو يرمز إلى الجندى الأمريكى الذى يغزو حضارة كاملة ويحاول اجتثاثها من جذورها، فكيف تريدنى أن لا أتفاعل مع ما يحدث؟ وكيف تريدنى أن لا أتطابق مع أحاسيسى وكلماتى وكيف تريد لهذه الملحمة المليئة بالآلام والدماء والحزن، أن لا تتطابق مع هذه الأغانى والأهازيج الحزينة التى عيبها أنها تعبر عما يحدث بكل صدق.

* لماذا هذا التداخل بين اللهجة الدارجة واللغة العربية؟

- لم يقع التداخل بين اللهجة الدارجة واللغة العربية إلا فى موقف واحد عندما استشهدت بفقرة من مسرحية سعد الله ونوس الكاتب السورى الكبير الذى فقدناه وكل مسرحياته كانت تعالج الواقع العربى وإرهاصاته وما يتعرض له الانسان العربى من مآس وقمع وتقتيل وفى اعتقادى أنه ليس هناك تعارض بين اللهجة الدارجة واللغة العربية فهذه اللهجة هى التى تغذى اللغة العربية بعدة كلمات. واستشهادى بسعد الله ونوس موظف مثل قول الممثل "انتم تذبحوننا ونحن نتوالد" وهذا ما يمثل الأمل فى المستقبل للمبدع لذلك ترد عليه الممثلة ناجية الورغى وتقول له: "ما عدنا نولول وأنا التى كنت نائحة فى المأتم قررت أن لا أبكي" وهذا فيه كثير من التحدي.

ولعل الملاحظة الأهم فى هذه المسرحية أن كل المواقف المهمة فى المسرحية تأخذها امرأة فالمرأة هنا تشفر الرجل وتحاول أن تستنهض همم الرجال. المرأة فى مسرح الأرض هى رمز للأرض وللأم وتقول الممثلة ناجية الورغى فى أغنية المسرحية "أصمد يا ولدى ما تولى أمك ماهيش من البكايات".

* كل من يشاهد المسرحية يلاحظ أن الرجل هو الفاعل الوحيد فوق الركح والمرأة لا تحضر إلا من وراء الستار فكيف تتحدث عن فاعلية المرأة؟

- صحيح المرأة لا تحضر إلا من وراء الستار ورغم ذلك فإن دورها فاعل وكما رأيت فى آخر المسرحية فإن الأم تأتى لتحرق هذا "الزنبيل" الذى يمثل هذه القيود والثقل والعوائق التى تعترض المواطن العربي.

* كأنك تريد أن تقول إن هذا "الزنبيل" الذى يرافق الممثل جمال المدانى من أول العرض حتى آخره، هو الحمل الذى يحمله الانسان وجهله وعاداته البالية التى تكبله وتمنعه من الانطلاق وتحرير نفسه من كل القيود؟

- هذا مؤكد لأن هذا "الزنبيل" فيه رمزية كبيرة وانكسارات وتاريخ وحضارة وانتصارات. وهذه الانتصارات هى التى تكبلنا لأننا أصبحنا نعيش على ذكراها فى حين أنه يجب أن نعيش على ذكرى الانكسارات والهزائم حتى لا ننسى.

وهذا شيء مهم بالنسبة إلينا. فهل تعرف أن قوة الآخر –الصهيوني- هى أنه لا ينسى بينما قوة العربى أنه ينسى وهذه هى المصيبة الكبرى، العربى نسى فى لحظات هزيمة 1967 ونسى مأساة لبنان سنة 1982 ونسى محمد الدرة ونسى فلسطين ونسى العراق، مشكلة العربى أنه ينسى بسرعة وليست له ذاكرة. أنا كتبت مسرحية اسمها "ريح ومديح" سنة 1990 وهناك جملة فيها تقول "كل نسايّ خوّان" ولكل ذلك يأتى المبدع الذى يغذى الذاكرة الجماعية ويستنهض همم الناس.

* هذا التوظيف الجيّد للموسيقى وتنوعها من مرسال خليفة إلى ناس الغيوان هل هو نابع من ذائقة فنية خاصة أم أن موضوع المسرحية هو الذى يفرض ذلك؟

- هذا التوظيف نابع من ذائقة مسرحية خاصة، فأنا أحب الاهازيج الريفية الجميلة والشعر العربى وأحب موسيقى ناس الغيوان وجيل جيلاله منذ أكثر من 30 سنة وكان لى شرف معرفتهم عن قرب وبالاضافة إلى ذلك فأنا أعزف على جميع آلات الايقاع، وأعتقد أن هذه الأهازيج وهذه الايقاعات الحزينة تعبر عن معاناة الانسان بصدق.

* تبنى مثل هذه النوعية من الموسيقى الملتزمة والمواضيع العربية التى يتطرق إليها مسرح الأرض يجرنا إلى الحديث عن علاقة المسرح بالالتزام، فهل تعتبر تجربتك المسرحية تجربة ملتزمة؟

- الفن ملتزم مهما كانت صفته، فيمكن أن يكون ملتزما بالرقص أو بالتفاهات ولكن أنا أؤمن بحكم قناعاتى خاصة بالمسرح والشعر والموسيقى والسينما، لابد وأن يكون هذا الفن تعبيرا عن هموم الانسان وعن معاناته وعن عشقه وأنا أسمى المسرحيات التى أكتبها بمسرحيات "الحرب والحب" لأننا نعيش زمن الانتكاسات والرجات والهزات والشكوك، زمنا تنتفى فيه كل القيم وتصبح القيمة الوحيدة هى ثقافة المال والدولار.

* وفى ظل انحدار القيم الذى تحدثت عنه، هل مازال المسرح الجاد والملتزم بقضايا الانسان، يلقى رواجا فى ظل سيطرة مضامين معيّنة؟

- فى ظل كل هذه التناقضات التى نعيشها وفى ظل سيطرة فضائيات الخرافة والعراء، نحاول أن نشق طريقنا فى هذا الخضم بكل ما أوتينا من صبر وإمكانيات حتى نقوم بواجبنا الذى وجدنا من أجله، هناك قولة رائعة للشاعر المسرحى الكبير رينى شار تقول "الذين يوجدون فى هذا العالم دون أن يحركوا ساكنا أو يثوروا أو يخلقوا أشياء، ليس لهم مكان فى الكون" وهنا أقول بأنه لابد للمبدع والمثقف العربى أن يتحرك ويعبر عن رأيه بكل حرية حتى لا يمر مرور الكرام من هذا العالم.

فما نعيشه اليوم هو خرافى وسريالى وغير منطقى وهو يشبه ما عاشته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية فى تلك السنوات العبثية وقد كان لهذا انعكاس كبير على الفن والابداع فظهرت السريالية والعبثية وقد ظهرت هذه الثغرات حتى قبل الحرب فبيكاسو عندما رسم لوحته المشهورة "جرنيكا" عبّر عن رفضه للحرب وله مواقف جريئة فى هذا الشأن، وظهرت عدة أسماء مثل جون كوكتو بيكيت ويونسكو وجون جينى وجون بول سارتر والباركامى وقد تفاعلوا مع هذا الواقع المرير الذى عاشوه وأنا أتمنى أن أرى تفاعل المثقفين والمبدعين العرب مع ما يحدث اليوم، أتمنى أن أرى هذا التفاعل فى الشعر والمسرح والنقد والرواية والموسيقى والسينما.

* لاحظنا فى هذه المسرحية أن الخطاب يرتقى فى بعض الأحيان إلى اللغة الشعرية ويسقط فى أحيان أخرى فى المباشراتية، فلماذا هذه المباشراتية؟

- المسرحية هى عبارة عن ملحمة وقصيدة طويلة فيها كثير من الصور وأما المباشراتية فهى مقصودة، فأنا لا أستطيع أن أتحدث عن المأساة والقتل والدمار بلغة بعيدة عن الواقع وهذه المباشراتية أسميها أنا تهوئات أى أن الممثل يصبح متحدثا بلغة المعيش اليومي، بالكلمة التى تنبع من الواقع وتجرح ولكن الشخصية لا تلبث أن تعود إلى اللغة الشعرية.

* توظيف الموروث والمخيال الشعبى من أغان وقصص لطرح قضايا عربية وإنسانية هل هو نابع من الجذور الريفية التى تربيت عليها؟

- أنا لا أستطيع أن أكون فى قطيعة مع ما تربيت عليه وخاصة أننى نشأت فى مدينة "جندوبة" وقضيت الطفولة ألهو على ضفاف واد "مجردة" لذلك أنت تجد فى كل أعمالى حضورا لهذا الواد أو لنهر دجلة والفرات أو النيل، كذلك تحضر هذه الأهازيج والايقاعات والخرافات والشعر وكل هذه المواقف هى مواقف أهل الريف والأرض التى تربيت فيها، فعندما أكتب أستحضر هذه الأشياء الحميمية وكذلك الموسيقى التى أحبها وقراءاتى للأدب الغربى والروسي.

* كيف يتطور النص الشعرى عندك من الكتابة الأولى إلى التلبس بالشخصيات؟

- كتاباتى هى عبارة عن ردة فعل. أتحمس فأرد الفعل وأكتب بجرة قلم واحدة هذه هى المرحلة الأولى من الكتابة. ثم فى المرحلة الثانية يتدخل المخرج والوعى فأتعامل مع هذه الشخصيات التى كتبتها وكأننى لم أكتبها أنا. لذلك أريد أن أبيّن أن المواطن العربى هو مواطن عاش حياته كلها وهو يرد الفعل، نحن جيل وأمة يردّان الفعل فقط ولا يفعلان بينما الآخر يفعل، ولكن المثقف ردة فعله تأتى فى شكل إبداع وكتابة ونتمنى أن يواصل المثقف العربى ردة فعله بالابداع.

* ولكن فى المدة الأخيرة رأينا أن الشعوب هى التى أصبحت ترد الفعل وتفعل فى مقابل غياب المبدعين والسلطة؟

- هذا صحيح وقد لاحظت أنه بعد عدة أحداث وخاصة بعد ما وقع فى غزة فى المدة الأخيرة، رأينا أن الجماهير العربية أصبحت تخرج إلى الشوارع وتتظاهر وتندد بما يقع ووازعها الوحيد هو هذا التضامن.

* لماذا كل مسرحيات مسرح الأرض تنبنى على ثنائية "الحب والحرب"؟

- الانسانية والحياة نفسها انبنت على ثنائية الحب والحرب. فهناك من يريد أن يبنى حياته وقناعاته على الحروب والتقتيل والتهجير ونفى الآخر وهناك فئة أخرى تبنى حياتها على الحب وتحاول أن تؤسس لعالم كله حب وسلام وتضامن وتسامح وذوبان فى حب الآخر وعشقه.

وأنا أعتقد أن كل مبدع مهما كان اختصاصه هدفه الرئيسى هو توسيع رقعة الحب فى العالم رغم أن التاريخ يعلمنا أن هناك من أقام حياته على إشعال النار والصراعات لذلك نرى الآن أن أكبر قوة فى العالم قد بنت مجدها وقوتها على تهجير وتقتيل الهنود الحمر.

* هل تعتبر نفسك شاعرا وجد فى المسرح آفاقا أرحب للتعبير أم مسرحيّا يوظف الشعر فى تجربته؟
- الإثنان معا. أنا بدأت حياتى بكتابة الشعر باللغة الفرنسية ثم باللهجة الدارجة ولكن قبل ذلك كنت مسرحيّا ...وكما قلت لك المسرح الاغريقى ابتدأ شعرا.

* هل يمكن اعتبار الفنان نور الدين الورغى شاعر المسرح التونسى بامتياز؟

- "يضحك" هذا لن أجيبك عنه لأنه من مشمولات النقاد والباحثين.

* هل تعتقد أن القارئ العربى – إن وجد طبعا – الذى صار يفضل قراءة كتب الشعوذة والطبخ عن الشعر، يمكن أن يشده مسرح يقوم على الشعر؟

- عندما تكون صادقا فى طروحاتك وعندما تكون ايقاعات ما تكتبه يتطابق مع ايقاعات ودقات قلب المتلقى يمكن أن تنجح.
* هل يسعى نور الدين الورغى فى مسرحه لمساءلة ما هو كائن أم يسعى إلى رسم ملامح ما يجب أن يكون؟
- أنا أسعى، فى نفس الوقت، إلى نقد الذات من خلال الحاضر وما هو كائن، وإلى التطلّع إلى الآتى لأن المبدع متعلق بالمستقبل دائما.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المسرح الجيّد هو المسرح الذى يغذى الذاكرة الجماعية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الشنتوف :: منتديات الفن والسينما :: منتدى عالم المسرح-
انتقل الى: