الشاعر هو شيء فريد قد نسجته يد القدرة الإلهية فابدعته، وألقت عليه هالة
نورانية ، لم يحظ بمثلها الا من كان مثله، لذلك ، فالشاعر نسيج فريد بين
هذا الكم الهائل من الأنسجة المتحركة على وجه الأديم ، هلامي شفاف ، ولو
ألقيت نظرة من خلاله لرأيت ما يعجز العقل عن الاحاطة به ، لأنه يتعدى حدود
المعقول، بل يستعصي على الفهم والادراك .
وعندما يدخل الشاعر في أجواء قصيدته وملكوتها ، يخرج من عالم الأشياء
المحسوسة الى عالم هلامي جميل ، والى فضاء لا نهاية له ، تمر على الشاعر
في استغراقه تحسبه من جنسك ، وليس كذلك ، تنادي تصرخ لا مجيب ، لأن ما
تراه أمامك هو مجرد هيكل لا يحس بك في تلك اللحظة ، لأنه في حالة إشراق
روحي ، بحيث لو أمسكت سكينا وجرحته بها ، لا يهتز لذلك ولا يتحرك ، ولن
تسمع صوت تألم .
والشاعر يحتاج الى من تلهمه القصيدة ، فتراه لا يقر له قرار ، دائم التنقل
والترحال طوافا في الأرض ، حتى اذا وجد من تلهمه القصيدة ، فتق المعاني
وفجر الابداع ، وإذا لم يجدها فإنه يذوي ويموت مثل أوراق الخريف ، ولا
عجب أن تلقى الشاعر دائم البحث عن الحب ، حتى ان بلغ من العمر عتيا ، لأنه
يبحث عن يتيمة الشعر ، والملهمة هي وجه القصيدة المشرق في ثنايا روح
الشاعر، والمرأة هنا ليست حتما ان تكون هي المرأة الإنسانه ، فقد تصبح
رمزا لفكرة معينة ، كالأرض مثلا ، أو الخلود ، أو تحل في أعلى مراتبها
في الإيمان.
وبدهي بعد كل هذا أن الشاعر ، إن قال يوما إنه لا يحب يكون كاذبا ، فأن
لا يحب الشاعر ، معناه أنه ميت ، ولا نقصد الموت الحسي المعروف ، إنما
يخرج من دائرة الشعر ، فهو ليس بشاعر حينها بل مثل باقي البشر ، في
مرتبة أدنى من مراتب الشعراء.
الشعرإحساس يرق مشاعرى *** فاأرى الوجود كما ترون جميلا
وأذوب وجداً فى فراق حبيبه *** وأتبع فوادى حيث مـال أميلا
وأرى بتحرير العراق مهمه *** لـرجال صدق ودعوا التطبيلا
وأضل بصافى الخيال محلقاً *** فأرى السعاده وإن غدوت عليلا