ايمانويل ايستافيز أحد المخرجين الشباب السينمائيين الجادين الجدد, قدم العام الماضي فلم "بوبي" عن السيناتور الأمريكي روبرت كيندي واغتياله في فندق "الإمباسداور" الشهير. هذه الحادثة تم إضافة العديد من الشخصيات والقصص الجانبية الصغيرة عليها لتتحول إلى فلم درامي سياسي طويل, يمكننا اختصاره بأحد خطابات روبيرت كندي الطويلة, لكن بدون تلك القصص الجانبية المثيرة, التي أضفت على الفلم عمقا مثيرا, وأضفى عليها الفلم صدقا وبعدا إنسانيا رقيقا, لأن تلك القصص لن يمكن فهمها ولن يكون لها ذلك البعد الإنساني إلا إذا كانت حاضرة في نفس المكان والزمان الذي اغتيل فيه روبيرت كينيدي, فكل قصة من تلك القصص تحكي جانبا مهما من التاريخ الأمريكي المعاصر, العنصرية وحرب فيتنام والموت والشيخوخة والمخدرات والجيل الشاب المتحمس. وربما تكون أحد القصص ترمز إلى تفكك العائلة الأمريكية المعاصرة وبرودة المشاعر والخيانة الزوجية, أليس كل ذلك على بعضه يعني الثقافة الأمريكية, وخاصة في عصر الستينيات الذي شهد تقلبات اجتماعية وسياسية وثقافية عديدة, كل هذه الأشياء وأكثر تم حشرها في سيناريو من كتابة إيمانويل إيسافيز نفسه, الذي أشرك والده مارتن شين ضمن المجموعة الهائلة من الممثلين الرائعين, الذين لولا هم لما شاهد أحد الفلم على الإطلاق.
كل أحداث الفلم تجري في فندق "الإمباسدور" في ليلة الخامس من جون عام 1968 . ونبدأ بالتعرف على شخصيات الفلم بطريقة تبدو قريبة جدا من أسلوب العبقري روبيرت التمان في فلم "شورت كتس" ولكن بدون تلك القدرة الهائلة في تحليل وتفكيك الشخصيات, فكانت أغلب الشخصيات فارغة تم وضعها كبالونات الحملة الرئاسية التي نشاهدها في الفندق كثيرا, ومع كثرة الشخصيات في الفلم, الرئيسية والغير رئيسية, إلا أن بطل الفلم, الذي هو روبيرت كيندي, لم يجسده أحد على الإطلاق, فقد كانت روحه حاضرة في الفلم وبقوة, فقط من خلال صوته وصورته الأرشيفية التي وظفها إيستفيز بشكل رائع جدا يعكس ثقافته وخبرته التلفزيونية. وهذا الاستغلال الدرامي لغياب وحضور الشخصية الرئيسة في الفلم مرارا وتكرارا فقط من خلال خطبه وأخباره أعطى إستفيز دافعا ومبررا لكي يقول ما يود قوله من خلال شخصيات الفلم المبعثرة, الذين هم في مجملهم يكونون حكاية طويلة رئيسة للفلم, فبإمكاننا القول أن العمود الفقر للفلم هو الجو العام, والذي أضاف هذا الجو هو الشخصيات الكثيرة وطريقة تقاطعها مع بعضها البعض, حتى وأن كانت أحيانا بصورة غبية ومكررة نابعة من افتقاد الخبرة.
لكنه يجب علينا أن نقدر العمل الهائل الذي قام بعمله إيستافيز, فهو في الحقيقة فاق التوقعات, فمنذ متى يأتي مخرج شاب ذا تجربة إخراجية تلفزيونية ويقدم عملا سياسيا جادا تحيط به هالة إعلامية كبيرة نابعة من ذلك الحشد الهائل من نجوم شباك التذاكر وفي نفس الوقت يملك أسلوبه الخاص والمميز في سرد حكايته, التي كانت مباشرة في ما تود قوله أحيانا, ومع ذلك يستحق المخرج أن نصفق له كثيرا لأنه قدم عملا فنيا عن التعايش السلمي بين الشعوب وكيف كان روبيرت كيندي يمثل رمزا وطنيا للسلام والتعايش, وكيف كان يحظى بشعبية هائلة يفتقر إليها الكثيرين في الوقت الحالي!. هذا ما كان مشهد الذروة في الفلم يريد أن يقوله, ذلك المشهد الذي كان في أفلام عديدة مشابه هو محاكمة لشخصيات الفلم ثم إطلاق الحكم عليهم, مثل "ماغنوليا" أو "شورتس كتس", لكنه كان هنا مليئا بالتراجيديا التي تصدح بموسيقى ماريك إيشام الملائكية وبتصوير وتحرير كانوا الأروع فنيا وتعبيريا طول الفلم, وهذا ما يجعلنا نشعر بأن إيستافيز مخرج سيكون ذات يوما ذو شأن كبير, لأنه وفي ذلك المشهد كان يعلن عن مولده. عن مولد مخرج ذو هم إنساني.
إذا, فالذي كان يتوقع أن الفلم ذا طابع سياسي ممل, كما كان يتوقع البعض أن "فلاغز أوف أور فاذرز" فلما حربيا. فهو مخطئ, فالعام الماضي عام الإنسانية في السينما الأمريكية, حتى وأن كانت الثيمة الأساسية للأفلام هي السياسة, كما شاهدنا في "ذا كوين" و" لاست كينق أوف سكوتلاند".
وبالتأكيد سيكون الأداء في الفلم عنصرا أساسيا إذا ما استعرضنا قائمة الممثلين الهائلة التي تبدأ من ليندسي لوهان وهيلين هنت وديمي مور وتنتهي عند لورنس فيشبورن وكريستيان سلايتر وأنتوني هوبكنز, وبما أن الفلم فقد مفهوم البطل والبطلة التقليدي, فلم يكن أحدا قادر على سرقة الأضواء من أحد, ولم يكن السيناريو يسمح لأي أحد بأن يقدم استعراضا تمثيليا.
الأحد أغسطس 24, 2008 11:36 am
