منتديات الشنتوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى الجميع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الطريق الى الفردوس المفقود لأبراهيم بن مسعود حجري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
كاتب كبير
كاتب كبير
Admin


عدد الرسائل : 782
تاريخ التسجيل : 18/07/2007

الطريق الى الفردوس المفقود لأبراهيم بن مسعود حجري Empty
مُساهمةموضوع: الطريق الى الفردوس المفقود لأبراهيم بن مسعود حجري   الطريق الى الفردوس المفقود لأبراهيم بن مسعود حجري I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 16, 2008 5:00 am

-1-

كانت أشعة الشمس قد مالت نحو المغيب، وكان قرص الشمس يخبو من حين لآخر خلف ستارات سحب تزحف نحو القرية المعزولة بين النهرين، وحده، كان ضريح سيدي عياد السبع غارقا في عزلته الهلوعة، ينتصب منذ عشرات السنين لا تؤنسه سوى بقايا شاهدات قبور غابرة ... قطيع البقر الصغير أخذ يتجمع استعدادا للأوبة المعتادة إلى الحظيرة .. الراعي مقرفص وقد أسلم خياله في حلم عميق .. أصبح ساهما منذ أن التقى بذلك الرجل البدين الذي يزور القرية كل صيف لأيام معدودات يقيم خلالها حفلات بهيجة وفاء لحضرة الولي الصالح منعما عليه بذبح عظيم ... قبل أن يلتقيه ببضع أيام كان قد ألف بقراته الخمسة وبدأ ينسى الدراسة وخيبتها وأصدقاء الطريق الشاق إلى الثانوية، ونسج التعود خيوط السعادة في نفسه، لكن ذلك الرجل الغريب الأطوار قد أشعل فيه من جديد نار النقمة على البلد وأهله .. كم أصبح عسيرا عليه أن يستعير كل ليلة نفسا آخر ليواجه موته البطيء وأعسر منه العودة إلى ذلك البيت المسكون بالهزيمة والفقر والذبحات المتوالية، أنساه التفكير أن البقرات قد أخذ منهن البرد رجفته الحقيرة فأخذن في خوار صاخب، استفاق من شروده وساق قطيعه نحو الحظيرة البئيسة، ولينسى عبء المسافة بدأ يستعيد ما راج بينه وبين الرجل البدين من حديث زرع فيه إغراءات ما كان يستسيغها قبل أيام ( مسكين أنت كم تقاسي في هذه البادية ... ) ( الأموال مرمية فوق عروش الكروم هناك ) ( أنت تعرف اللغة أحسن مني ) ( عند عودتي سأقترح عليك الحل فقط آتني بثلاثين ألف درهم وسترى ) بدأ الليل يرخي أستاره في بطء على جسد القرية الصغيرة، أما البقرات فقد اتخذن من جحورهن مخبأ قصيا وغططن في نوم لذيذ، تفرس البيدوري في وجوه أفراد أسرته بعمق هذه المرة، كانت مغلفة بحزن كتيم، ينكتب على ملامحها كل الأسى والدمار، أدمى قلبه ذلك فترك البيت، وتوغل في الظلام الدامس يخدش صفاء الصمت الرهيب بخشخشاته الرهيفة، رنا إلى السماء بعمق، النجوم تتلالأ، يغالب نورها جبروت الظلام، وقف وفقة الجندي المتأهب للقتال ثم غمغم: ( غدا سأحسم الأمر .. ).

-2-

بعد ظهيرة مشمسة، جرته قدماه إلى مقهى الرياض حيث استقبله (السريطي) ببرودة أعصاب بليغة، ارتخى متعبا على كرسي مهجور ثم أخرج علبة شاي وسلمها لصاحبه الذي تناولها في ذهول ( البقرات عجاف، والسماء لم تجد علينا بدمعها السخي المهم أعدك بأن أكمل ما تبقى ... ) أخرج السريطي حزمة الأوراق النقدية وقلّبها بين يديه مستصغرا القدر ( لا يهم أنا فقط أريد مستقبلك فكن شجاعا، وتجشّم الصعاب وبعد أعوام ستغادر عائلتك القرية لتقطن بأفخم أحياء المدينة، هنا الريال وهناك الدولار ... أتفهم ؟ ).

دس الحزمة في جيبه الشاسع ثم نهض بعنف فانقلب الكرسي خلفه، أخذ زبونه من يده ثم ابتعدا عن المقهى وهناك برما موعدا وثيقا .. عاد البيدوي إلى القرية يستقرئ تفاصيل الطريق الرملي كأنه يقول: ( وداعا أيها البلد الممهور بالفقر والبؤس ... بعد أيام سأكون هناك في ماوراء البحر حيث الذهب والغنى) وفي ظلمة الليل وجد أسرته الصغيرة متجهمة الملامح تبكي قفر الحظيرة، حيث كانت البقرات تملأ الخيمة دفءا وضجيجا، فيما كان السكون المطبق يخيم بظلامه الكاسح على ربى القرية الصغيرة، ولم يعر البيدوري اهتماما لأحاسيس أهله معتبرا إياها هلوسات عجوز تبكي ترهات، غارقا في انتشائه بالسفر الموبوء بالإغراء ( سأعوض لكم العجاف بالسمان ... أريد فقط دعواتكم ... ) فارتجفت الأيدي بيضاء تجأر إلى السماء.

-3-

انعطفت شاحنة الديزل تتلوى بين الممرات كثعبان جبار يلتهم المسافات ... هدير المحرك ترتج معه الأرض، استفاق البيدوري من إغفاءته، رنا إلى الساعة المثبتة على واجهة المحرك، العقارب تشير إلى الثالثة صباحا، تفحص وجه السائق، كان باهتا يقاوم هجوم الوسن، رفع رأسه مخترقا بناظريه جواجز الظلام، فبدت له طنجة حفنة أضواء متناثرة، تشمم الريح من فتحة الزجاج، فأتته رائحة البحر، فَرْمَلَ السائق بعنف ورمق مرافقه بنظرة شزراء: ( هيا بسرعة ... اقصد الضوء ).

تقيأته الحافلة في خلاء رهيب ثم زمجرت شاردة .. توقف البيدوري لحظات حتى استبان ضوءا فريدا منتصبا في العراء كعين غولة، قصده مسرعا، صم أذنيه هدير أمواج البحر الغاضبة، تحسس أصواتا آدمية يشربها جبروت الهدير، وقبل أن يصل، نادت عليه الأشباح باسمة ( أسرع يا البيدوري، نحن في انتظارك ) تهلل وجهه مستبشرا، كان القارب الصغير ممتطيا صفحة الماء يميل يمنة ويسرة كأنه أرجوحة أطفال مرحة، رمى بأمتعته الرخيصة إلى الداخل وترجل الماء خطوات قبل أن يقفز داخل القارب ويندس بين الوجوه، تأملها فوجدها ذابلة مثل وجهه، تبادلوا النظر ولم ينبسوا بكلمة، فقط كانت الحشرجات وغيمات الدخان المتصاعدة من الحناجر ... ألقى نظره بعيدا يبحث عن ظل الوطن، لكن الظلام كان عنيدا وكانت الريح تدفعهم نحو أعمق الأعماق تقودهم أياد فولاذية نحو الحلم المغري .. القارب الصغير تتقاذفه الأمواج ككرة تتبادلها أرجل ماهرة، سكتت الريح، وغاب وجه المدينة المضيء، ولم تبق سوى أجساد نحيفة ترتجف من البرد والخوف ونظرات باردة وخشخشات المجاديف ... أحس برغبة شديدة في البكاء لولا أن الأعين الكابية تحاصره .. وحدها السماء لم تتغير، صامدة بسديمها البانورامي.

-4-

... الأسرة الصغيرة متحلقة حول إبريق الشاي تنهمر عيونهم خوفا ورجاء يتبادلون النظر إلى الأعماق الجريحة .. صوت المذياع يشرخ الصمت الرهيب تنبع منه مواويل أغنية تستدرج أحزانهم ( الغربة والعشق الكادي ... ) فجأة يقطع الأغنية صوت حنون مفجوع " غرق قارب بحري كان يقـل اثني عشر فردا بالقرب من سواحل إسبانيا " وعادت الأغنية لتشعل في الأجساد المكدودة شبق الإجهاش والأنين المبحوح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://moha.5forum.net
 
الطريق الى الفردوس المفقود لأبراهيم بن مسعود حجري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الشنتوف :: المنتديات الثقافية والأدبية :: منتدى القصص القصيرة-
انتقل الى: